الحوسبة الكمية تكتب الفصل الأخير لعصر الخصوصية

الرئيسية » إعلام ورقميات » الحوسبة الكمية تكتب الفصل الأخير لعصر الخصوصية

الحوسبة الكمية تكتب الفصل الأخير لعصر الخصوصية

الحوسبة الكمية تقنية جديدة تفتح بابا أمام تطوير جيل جديد من الأجهزة القادرة على معالجة كميات غير مسبوقة من البيانات وبسرعة تفوق أيّ خيال. ويرى الخبراء أنه في السنوات القادمة سيكون بالإمكان إنتاج أجهزة كمبيوتر كمي قادرة على اختراق “بيانات مؤمّنة”.

تعد “الحوسبة الكمية” من المصطلحات الجديدة التي سيشيب لها شعر نشطاء الدفاع عن الحق في الخصوصية وسرية البيانات في السنوات المقبلة. وتفتح هذه التقنية الجديدة في عالم صناعة الكمبيوتر الباب أمام تطوير جيل جديد من الأجهزة القادرة على معالجة كميات غير مسبوقة من البيانات وبسرعة تفوق أيّ خيال. ويتوقع الباحثون في هذا المجال أن توفّر الحوسبة الكمية في يوم ما أجهزة كمبيوتر قوية بما يكفي لفك أيّ شفرة وكسر حماية أيّ بيانات.

ويقول الخبراء إنه خلال فترة تتراوح بين 10 و15 سنة يمكن إنتاج أجهزة كمبيوتر كمي قادرة على اختراق ما نعتبره الآن “بيانات مؤمنة” مثل البيانات المصرفية وبيانات الرعاية الصحية لدى القطاع الخاص، وكذلك المعلومات شديدة الحساسية الخاصة بالحكومات والمؤسسات العسكرية. لهذا يبحث خبراء التشفير وتأمين البيانات من الآن عن وسائل بديلة وتقنيات تشفير مختلفة لحماية المعلومات والبيانات في عصر الحوسبة الكمية.

ومن بين البدائل التي يدرسها الخبراء لتشفير وحماية البيانات استخدام الأقمار الاصطناعية. وقال فرانك تريمر مدير قطاع التطبيقات في اتحاد صناعة تكنولوجيا المعلومات الألماني بيتكوم إنه تم بالفعل تطوير عدد قليل من أجهزة الكمبيوتر الكمي حاليا، لكن من الصعب معرفة متى ستصل هذه الأجهزة إلى الدرجة التي تصبح فيها خطرا حقيقيا على سرية البيانات وحماية الخصوصية.

وأضاف مدير قطاع التطبيقات في اتحاد صناعة تكنولوجيا المعلومات الألماني أن أجهزة الكمبيوتر الكمي الجديدة هي معجزات صغيرة حيث “يمكن استخدامها لزيادة سرعة معالجة البيانات بصورة كبيرة للغاية بحيث يتم خلال ساعات أو أقل معالجة بيانات كانت تحتاج إلى سنوات لمعالجتها”.

ويعني هذا أن الكثير من قواعد البيانات وأنظمة التخزين التي نعتبرها حاليا آمنة وعصية على الاختراق ستصبح هدفا سهلا لقراصنة المعلومات. وقال مكتب أمن المعلومات الألماني وهو الجهاز الحكومي المعني بتأمين أنظمة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في ألمانيا تعليقا على التطور الحالي في تكنولوجيا الحوسبة الكمية إنه “لكي لا يجاوزنا هذا التطور علينا الاستعداد من اليوم لعصر ما بعد الحوسبة الكمية”.

وبدأ الباحثون في معهد ماكس بلانت لعلوم الضوء في مدينة إيرلانجين الألمانية بالفعل في مواجهة هذا التحدي. وقال كريستوف ماركواردت الباحث في المعهد إن “هدفنا هو أن نكون أسرع من التطورات التي تهددنا”. ويقوم هو وزملاؤه بأبحاث تتعلق بما يسمى الكتابة السرية (الشفرة) الكمية.

ويذكر أن تكنولوجيا الحوسبة الكمية تعتمد على قوانين الفيزياء الكمية حيث يمكن قياس الفوتون أو كمية الضوء بشكل كامل في مرة واحدة، إذ أن هذا الإجراء نفسه يغير حالة الجزيء ويؤدي إلى نتيجة مختلفة في أيّ اختبار ثان.

ويمكن استغلال هذه الفكرة الأساسية في تشفير المعلومات، حيث يقوم جهاز إرسال بإرسال فوتونات إلى جهاز استقبال. ويستطيعان معا تكوين رمز يمكن استخدامه لقراءة المعلومات المشفرة.

ويمكن اعتبار هذا الأسلوب للتواصل مؤمّنا ضد التنصت، لأن أيّ محاولة للتجسس ستؤدي إلى خروج الشفرة السرية من مسارات الإشارات وهو ما يتيح اكتشاف عملية التنصت فورا.

ويختلف الكمبيوتر الكمي عن الكمبيوتر العادي حيث أن الأخير يعتمد على رقائق السيليكون التي تقوم بتخزين البيانات بعد تحويلها إلى النظام الرقمي وفقا للمنظومة الثنائية “صفر أو واحد”، في حين يعتمد الكمبيوتر الكمي على تفكيك وإعادة بناء الذرة أو الجزيء لتخزين البيانات ومعالجتها وهو ما يتيح سرعات غير مسبوقة تتجاوز بكثير قدرات الكمبيتور العادي.

وأوضح ماركواردت أن أحد أكبر المشاكل حتى الآن يتمثل في المسافة التي يمكن نقل المعلومات عبرها باستخدام تكنولوجيا التشفير الكمي. وأوضح أنه رغم وجود شركات تقدّم بالفعل خدمات الاتصال الكمي من خلال كابلات ألياف ضوئية، فإن جودة الإشارة تتراجع بشدة عندما تزيد المسافة عن 100 كيلومتر، بما يفرض ضرورة وجود وحدات لتقوية الإشارة.

لكن هذه الطريقة لا تعمل في حالة التكنولوجيا الكمية لنقل البيانات. ويمكن للمرء الالتفات إلى الفضاء من أجل تقليل احتمالات اختراق عمليات نقل البيانات إلى الحدّ الأدنى.

وقال ماركواردت إن “هناك عملية امتصاص في الغلاف الجوي… لكن سمك هذه الطبقة لا يزيد عن 10 كيلومترات. وبعد ذلك يوجد الفراغ”.

ويحاول الباحثون بالفعل الاستفادة من هذه الحقيقة فقد أطلقوا القمر الاصطناعي للاتصالات “ألفا سات-1 إكس. إل” والذي يرسل حزما من أشعة الليزر في نطاق الأشعة تحت الحمراء إلى محطة قياس على بعد 38 ألف كيلومتر في جزيرة تيناريف في المحيط الأطلسي.

وقام ماركواردت وفريقه بالتعاون مع شركة تيسات سبيسكوم في مدينة باكنانج الألمانية ومركز الفضاء الألماني، بتحليل كمية الضوء في حزمة الليزر وبالتالي تم توليد شفرة يمكن استخدامها لقراءة رسالة مشفرة.

وشدد ماركواردت على أن القمر الاصطناعي “ألفا سات-1إكس. إل” لم يتم تصنيعه أساسا من أجل تكنولوجيا الاتصالات الكمية. وقد حدث شيء بالمصادفة أتاح للباحثين إجراء الاختبار حيث انضم إليهم زميل من معهد ماكس بلانك بعد عمله لفترة في تيسات سبيسكوم والتي تنتج اتصالات عن طريق الأقمار الاصطناعية المدعومة بأشعة الليزر.

وأشار هذا الزميل الجديد إلى أن التكنولوجيا المستخدمة في هذه الشركة مناسبة جدا للتجارب المعملية التي يجريها المعهد.

وقال ماركواردت “نستطيع استخدام الأنظمة الموجودة. الآن أصبح من الممكن توفير خدمة التشفير الكمي باستخدام الأقمار الاصطناعية”. وستكون هناك خلال فترة من 5 إلى 10 سنوات شبكة عنقودية من أقمار الاتصالات الاصطناعية التي يمكن أن تتواصل بتكنولوجيا الاتصالات الكمية، سواء فيما بينها أو بينها وبين المحطات الأرضية.

وبحسب ماركواردت يظل المتطلب الأساسي لكل القضايا الحساسة المحيطة بحماية المعلومات متمثلا في أنه “يتعين أن تكون هناك ثقة في مشغّل الأقمار الاصطناعية”.

صحيفة العرب

 

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *